2021/02/11

ملخص رواية ارواح من زجاج









قراءة في رواية أرواح من زجاج للكاتب محمود المحادين


في الكتابة عن رواية عريضة مثل رواية أرواح من زجاج، تستدعيك الغفلة أولاً لتبدو أنك قاريء تستعرض أحداث فوق وهمية تبتعد فيها عن الواقع، ثم ما تلبث أن تشدك نحوه تدريجياً، لتكتشف أن المشار إليه في كل ما حدث هو أنت تحديداً

 أولاً كأنك وجدت البساط السحري ( بساط الريح) يأخذك من المدينة إلى الصحراء.. ثم من الصحراء الي المدينة.. وما بين السعي والسعي، هناك ما عليك أن تلتزم به من ناحية قوانين الإنسان، كيف يكون إنسان في صحراء متمثلة بالشيخ الحكيم ، ثم كيف يكون إنسان مدينة متمثلاً بأحمد، وبالطبع شتان ما بين الإنسانين بحيث هناك( أحمد ) الشاب الغني المتاحة له أسباب الحياة في مدينة عصرية وهناك( فلاح) الشيخ المتاحة له أسباب الحكمة في خيمة بدوية تتلقفها الرياح الليلية، ولربما يأتي السؤال لماذا لم يختار الكاتب الريف كنقيض للمدينة بدلاً من الصحراء مما يسهل على المتلقي التنقل فسيولوجياً بين صراعهما ؟

وهنا أجدني أجيب نفسي على هذا السؤال بتوقع أنه يمكنني القول أن للريفي في رؤى المتلقي خصائص الريف البسيطة التي تخلع على إنسانه مسحة البساطة في التفكير وعدم تعقيد وتقسيط الأمور، وهذا ما لا نجده في الصحراوي الذي تجبره بيئته على النظر في كل الأمور بمداراتها وتحليلها وتفسيرها ثم النطق فيها. الشيخ بما أوتي من حكمة، والشاب بما جُبل عليه من طيش شخصيتان رئيسيتان في الرواية برعاية الكاتب وتفطنه استطاعتا أن تملي الأحداث على باقي الشخصيات الثانوية في الرواية وبذلك انعكس تماسكها بحيث يبدو كأنما يستشعر القارئ أن كل شخصية حالما تنتهي من دورها تنتظر مع الجمهور الشخصية التالية والموقف التالي وبهذا يمكنك أن تظن أن الشخصيات نفرت من الكتاب لتكون متلقياً معك، ثم دخلت حسب توقيت دورها، وهذا شعور تفرد الكاتب بمنحه للقاريء

الشيخ والشاب، نقيضين مختلفين تماما لكن ذكاء الكاتب استطاع تسخيرها ضمن العديد من الثيمات والرمزيات التي قد يلمس فيها القاريء أنها قد تكون مجسات بينه وبين كل الشخوص والأحداث التي تجري على مساحتين ارضييتين وعدة مساحات روحية تثري النص ككل مما يعطي ضوعاً روحياً وصوفياً ذات قيمة أكبر في الرواية. انزلاقات كثيرة يتعرض لها القاريء أثناء ممارسته للرواية، وهي انزلاقات تحتاج إلى قاريء سوي متمكن من معرفة نفسه جيداً وإلاّ ساقه النص نحو جوع لمعرفة الذات، إذ في كثير من الأحيان نجد أن الكاتب خبأ تكتمات وقعت منه ربما عفويا أو بقصد بين السطور، إذا تمكن منها القاريء وجد ضالته في فهم المغزى ووجد انفراجة تطل على ذاته بالذات وكأن الكاتب فعلاً كان يقصد أن يشير للقاريء نفسه بأنه هو من قد يكون في كل موقف مرةً أحمد ومرة الشيخ نفسه وتلك هي الثيمة الأساسية التي يقصدها الكاتب فنحن ك " إنسان " مهما تقدم بنا العمر نظل بروحين، روح الشباب الطائش، وروح الشيخ الحكيمة، وحينها لا بد من التوازن الذي يُحدِث غيابه تيهاً عميقاً

في الرواية ترتفع الحبكة ثم تهوي بنا على إيقاع ثنائية ( العاصفة / الهدوء) وكأن الكاتب يريحنا قليلاً فيفترض العاصفة ثم يأتي بالهدوء وهو بذلك استطاع التصرف بذكاء لتحل" لعنة لو" بدلاً من العديد من التساؤلات الممكن تواجدها حول الكثير من المشاهد التي سيتمناها القاريء - لو تحدث بدلاً من - مثلاً. وهناك الحواف السريعة الإيقاع التي تحدث بين الحين والحين وتنقل القاريء خطفاً ثم تعيده خطفاً، وتلك خاصية على هيئة ومضات تهيأ القاريء للتالي دون أن تشعره بفقدانه السابق، ولذلك فإنّ خط سير الرواية يمكن وصفه بالمريح جزئياً لمتلقٍ يستطيع النفاذ من فوهات تغص بالتساؤلات ، فالصحراء والمدينة والشاب والشيخ نقائض صعبة جميعها صهرها الكاتب في بوتقة واحدة لِيطلع المتلقي على أكثر من حقيقة أهمها استخدام الحبكات تحديداً كاختبار ذاتي ملزم وملتزم

النهاية انفراجة بسيطة ودقيقة قد لا يشعر بها القاريء جيداً، لكنها نهاية موضوعية واقعية ذات وحدة واحدة تتصل بالرواية مرةً أخرى عندما أعاد الكاتب استعمال المجسات بين كامل الرواية ككل ونهايتها ككل واحد آخر، وهو بهذا تفادى انزلاقة نهاية مفتوحة كما اوحت الرواية منذ بدايتها للمتلقي. لغة الرواية سهله مغلقة الخيارات، والأسلوب تدريجي تنقلي ينقل المتلقي لطبقات متفاوتة الكثافة والاندماج من حيث الصراع وتفاديه، يعمل مع القاريء للغوص في المشكلة لإيجاد حلولها وهذه خاصية تكتيكية أخرى تفرد بها الكاتب بحيث سمح للمتلقي بمشاركته أغلب موجات الموقف هناك، وربما الكاتب أيضاً اطلعه على القليل من معاناته اليوميه كإنسان يواجه يومه من أجل أن يعرف كيف تُستعمل الإنسانية مع الحكمة في أبلغ جمال، ولذلك تطل علينا نفحات رقيقة من وراء الرواية وُظِفّت في خانة الإطلالة على الذات. هذه الرواية هي العمل الأدبي الأول للكاتب، متمنية له المزيد من محافل النور والتألق



اعداد وكتابة: بيان العوضي

التسميات: , , ,

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية