2021/06/28

آهاتٌ مُخيفة




الكاتبات: لطيفة الشمري، ليان عصام العلي، فريال كمال بني سلمان، صبا مسالمة، بيان ظاهر



آهاتٌ مُخيفة



إنها ليلةُ الزِّفاف، ذاكَ الفستانُ الأبيضُ العتيقُ تداعبهُ فراشاتٌ محنَّطةٌ بلونِها الأحمرِ كلونِ والدتهِ المفضَّل، تُراقصُ كَتفيها وخَلجَاتِ ظهرِها.


ههههه سأذهبُ اليومَ إلى ذاكَ الجحيم، ستصبحُ عائلتي اللعنة! سأذهبُ إلى ذاكَ الحشدِ المِلقبِ بالمافيا، مِن أكبرِ العصاباتِ بتلكَ المدينةِ المُحتَكرة. يملؤها الخمرُ كلَّ مساء، وتفوحُ رائحةُ فراشِهنَّ بقبلاتِ الرُّوحِ على الجسد، يُضاجعُ أجسادِهنَّ تلكَ الورقياتُ مَن يظنُّونها ثمينةً على حلبةِ الرقصِ تلك، يتراقصنَ بتلكَ القبلاتِ برائحةِ الخمرِ والنَّبيذ.


فها أنا يولا معَ عائِلتي التي تحشُرني وأخي بتلكَ الزنزانةِ اللعينةِ كل ليلةٍ حينَ نرفضُ هذا وذاك من يُغضِبُ الإلـٰه، فتلكَ الطلقاتُ أصابتهُم بذاكَ العَزاء، ههههه أقصدُ ذلكَ الحفلُ المسموم، ظننتُها ليلةٌ وتمرّ بوهلة، لكنَّ تلكَ الطلقاتُ التي أُصيبَت عائِلتي ورائحةُ الخمرِ تفوحُ من كلِّ مكانٍ والموسيقى الخليعةِ التي راقَصت أُذُنايَ صرعًا بها.


وتمرّ الأيامُ إلى ذاكَ اليوم. مشاعرٌ تُهاجمني، أخافُ على هؤلاءِ الأطفال،


إنها طِفلتي الخامسةُ إيلانا بلغَت عامًا من عُمرها. يُراقصُها أباها على أكتافهِ بتلكَ الألحانِ المترنقةِ بأغنيتها المفضلةِ بحبٍ وحنان.


وتدورُ تلكَ الأحداثُ بمخيلتي وأنا أُلامسُ دموعيَ الفائضةِ المتشبثةِ على وجنتاي، أينَ هُم؟


أَيُّها الرَّب، أنقذني هل هذا وهْم؟


أيُّها الرَّب، أُناجيكَ بانكساريَ فهل مِن مُجيب؟


فتلكَ الليلةُ الماضيةُ يغمرُ أطفالهُ بحبٍ ووُد، وماذا الآن؟


أينَ هم أيُّها الرَّب؟ أُريدُ أطفاليَ؛ فهُم فِلْذةُ كبِدي، فهل مِن مُجيب؟


تََوَانا البحثُ عنهم لأيامٍ بل لاسابيعَ وأشهُر، في كلُّ ثانيةٍ كانَ الفراقُ يحرقُ قلبَ أمِّهِم، فما لبِثوا في جَوفها تسعةَ شهورٍ عن عَبث، فحتَّى نبضاتُهم لا تزالُ آثرها في جَفايا بطنِها، لقد طالَ الغيابُ حتى نفِذَ صبرُها، وتقاعَست دورياتُ الشرطةِ عن البحث، فحتى حبلُ الأملِ قد قُطِع. جاءَ ذلك اليوم الذي ارتمى أخاها بينَ أضلعِ السَّرطان، فها هوَ الخبيثُ يأكلُ بجسمِ شقيقها الذي لم يترُكها يومًا واحدًا. بعدَ سماعِها لخبرِ مرضِ أخيها، خيَّمَ الحزنُ عليها وبدأَ اليأسُ يحتلُّ تفكيرَها من كُلِّ ناحية، جلَست الى جانبِ شقيقها وهو في العنايةِ الحثيثةِ في صراعهِ مع الموت تشكي خيباتِها "أطفالي وزوجي ذهبوا ولا اعلم عنهم شيء فأرجوك لا تتركني لوحدي عليكَ النهوضَ حالًا، أنتَ من بقيَ لي من والداي".


دخلَ عَليها الشرطيُّ الغرفةَ فإذ بها تبكي وتدعو ربَّها، ارتبكَ قليلاً وتعرَّقَ جسده بالكامل يهمسُ لنفسه:"كيف عسايَ أن أخبرَها بما حدث؟ بين ثواني تفكيرِ الشرطيِّ ومحاولتهِ لإخبارها، أدارت رأسها بحرقةٍ قائلة:


-ماذا هناك؟


-أطفالكِ، لقد ماتَ جميعهم، لم يبقَ منهم أحد، لكِ مني أشدُّ التعازي لما فقدتِ. دارَ ظهرهُ لها وخرجَ من الغرفةِ باكيًا لم يستطع أن يُعلمها عن قاتلِ أطفالها،


بعدَ رؤيتهِ لها بتلكَ الحالةِ تراجعَ عن قولِ الحقيقةِ وشعرَ بالشفقةِ تجاهها؛ فدُموعها على وجنَتيها، جَسدها مُنهك، حرقةُ قلبها على أخيها ثم أشلائها التي تناثرت كقطعة زجاج. أصبحَت مبتورةَ الجناحَينِ ليسَ باستطاعتها المقاومةُ لأوجاعِ حياتها اللامتناهية، استسلَمت للقدرِ وذهبَت لدفنهم تحتَ التُّرابِ بل دفنِ ذكرياتهم الجميلةِ والقبيحة، أصواتُ قهقهاتهِم العالية، رَحلوا ورَحلَت روحها معهم وكأنها دَفنت نفسها، تشتت وتاهت فلا مكانَ لبصيص أملٍ في حياتها.


ما حدثَ بعدَ ذلكَ كانَ ندمُ الحاكمِ الظَّالمِ الذي لم يكتفِ بزجِّ زوجتهِ المسكينةِ خلفَ قضبانِ التأوُّهِ والألم، بل اجتثَّ روح أطفالهِ المساكين، وقتلَ أحلامهِم النديَّة المخضبةِ بحسِّ البراءةِ واللُّطف. لم يندم على ذاكَ فحسب، بل كان يتفطَّرُ قلبهُ لأشلاء؛ حُزنًا على أفعالهِ المتوحشة، باتَ ضميرهُ يعذِّبهُ بلا رحمة! وكأنما يُغرسُ في قلبهِ خناجرَ صدئةً مكسوَّةً بحميمِ اللظى. ليتلوّى في قعرِ الجحيمِ كُلَّ ثانيةٍ، يترنّحُ بينَ جُدرانِ قلعتهِ باكيًّا مستاءً لحاله يبكي ويصرخُ بهستيريّة؛ فقررَ إنهاءَ كلِّ ذاكَ بِقتلِ نفسهِ علَّهُ يستنشقُ هواءً بلا عذابِ ضمير. وتمّ إعلانُ موتهِ جانيًّا على نفسهِ في غرفتهِ العفنة، مُخلِّفًا وراءهُ زوجتهُ التي تتأرجحُ بينَ سكراتِ الموت، لتموت هي الأُخرى بعدَ مُعاناتها من صدمتها النفسيّةِ.

التسميات: , ,

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية