حياة واحدة لن تكفيك
تُرى أينَ ستكون وِجهتي التالية لِنيوزلندا أم لِلمغرِب العربي؟!
أقلعت الطائِرةُ مُحلِقَةً في الفضاء، وصلتُ مدينة روما المدينة التي لطالما حَلُمتُ بِزيارتها تجولت في شوارِعِها وساحاتِها وأكثر ما جذبني فيها ساحة (نافونا) وتسنّى لي بعض الوقت الجلوس في مدرج (كولوسيوم) في وَضَحِ النهار قبيل انطلاقي لمدينة فلورانس حيث وُلِدَ (ليوناردو دي فينشي) ذهبتُ لالتقاطِ بعض الصور التذكارية في الأماكن التي كان يجلس فيها للبحث والرسم والتفكير والتخطيط
وها هي الطائِرة تُقلِعُ لمدينة لندن، يا الهي لم أكن أعرف من قبل إلا القليل عن صُروحِها التعليمية الضخمة! كم مِن طالِبٍ تخرَّج من هنا ليصبِحَ مِعماريًا، مُعلِّمًا أو طبيبًا؟!
استعرتُ بعضَ الكُتُبِ لِقراءتِها فور انتهاء جولتي في ضواحي لندن؛ أوه نسيت لن أستطيعَ انهاءها كُلَّها فطائِرتي ستقلع لبلاد الهند مساءً!
وصلت طائرتي متأخرة قليلًا للهند لكن لا بأس، انطلقتُ فورَ وصولي لزيارة (تاج محل) ذاكَ المزيج من أنماط العمارة الإسلامية والايرانية والمغولية بياضه الرخاميّ الناصع وأبراجه الطويلة الذي بناه (شان جاه) ذكرى لزوجته يجذب انتباهك لأدق التفاصيل!
لم أكن أعلم أن الوُجهة التالية ستكون لأفغانستان، ذهبتُ لبعض الأحياء التي حدثت فيها الحروب لأرى نساءَ جميلات تبرز في خطوط وجوههن قِصَصُ حبٍّ سرقَت الحربُ تفاصيلها وأحداثَها لتنتهي بِاللاشيء!
هل يا تُرى ستكونُ الرياض هي الوُجهة الأخيرة؟!
رأيتُ قِصَصَ طلبة الجامعات الذين يرتحلونَ في شوارِعها الصحراوية طلبًا للعلم وبحثًا عن العمل وإن عني ذلك في دولٍ أجنبية ورأيتُ دموعَ الأمهات وفخرَ الآباء على أبواب المطارات!
وفي إحدى الشوارع رأَيتُ آلة الزمن حاولتُ تَجرِبتها لم أكن أعلم أنها تعمل بهذه السرعة؛ مرّت بي بثوانٍ قليلة عبرَ الاف السنين، أخذتني لعصورٍ قديمةٍ جدًا حيث نبيُّ الأمة محمد (ص)!
اطّلعتُ على التغير العظيم الذي قام به لينقل الناسَ من الجهل والكفر إلى الرقي والحضارة والتقدم والازدهار ولم أكتفِ بذلك حتمًا، إذ جذبتني حياةُ صحابَتِهِ كعُمرَ الذي أعزَّ اللهُ الإسلامَ بِه، وأبي بكرٍ الذي كانَ صَديقًا صِدّيقا وبلالٍ الذي ملأت حنجرته أنغامَ الأذان فَصدَحَ صوته في شوارِع مكة والمدينة كموسيقى هادئة تبعث فيكَ الراحة والاطمئنان!
وعدتُ من جديد عبر تلكَ الآلة العجيبة!
لكنني قررت اقتناءَها فمرةً أستطيعُ عيشَ الماضي بأدقِّ تفاصيله ومرةً أعيشُ الحاضر بكلِّ ما فيه أتنقلُ بينَ هذا المكان وذاك مُسافِرةً عبر الزمن من عصرٍ لعصر ومن عقدٍ لعقد، من مدينةٍ لمدينة ومن مَتحفٍ لمَتحف، أستطيع رؤية الأماكن والمدن التي لطالما حلمتُ بزيارتها لِأتعرف على ثقافاتها وأتحدثُ لغاتها، وأرى علماءها وآثارها وحِجارتها التي تروي الحكايا، أبني صداقاتٍ مع سكانِها وأعيش حياة فارِقة فيها، أستنشق هواءَها وأقطِفُ من زهورِها ياسمين ونرجس، أحلق في سمائِها وأتجول في ضواحيها وِديانِها سهولِها وجبالِها، أقتني كتبًا من مؤلفيها وأغرقُ في تفاصيل عمارَتِها وأتذوق أشهى مأكولاتِها، كلُّ ذلك وأكثر بتلك الآلة العجيبة!
قررتُ أيضًا أن أُسمّي صديقَتي الجديدة -آلتي الخارقة- سَأُسميها(كِتاب)!
آلتي (كتاب) ستأخذني حيثُ أشاء وأنا أرقدُ في سريري بِمحاذاة النافِذة، ستبني لي قِصَصًا وصداقات مع أبطالِها وستتيح لي فرصة الحديثِ معهم ستعيدني للوراء بعيدًا لملايين السنين وستقدمني للأمام لأرى بعضًا من المستقبل، ستجعلني أعيش حاضري بأدقِّ تفاصيله!
آلتي (كتاب) ستأخذني لأعماق المحيطات وإلى قمم الجبال!
سأصبحُ فيها محاميًا يحلُّ القضايا وطبيبًا معالِجًا، مربيًا ناجِحًا وعالمًا ورائِدَ فضاء!
سأكون فيها أستاذًا جامعيًّا، طباخًا ماهِرًا وكاتِبًا بارِعًا وقارئًا عظيمًا ومصلِحًا اجتماعيًا يلوّنُ حياة أبطالِها ويجمعُ بينَ أَحِبتها، وسأحتفظُ منها بالكثير الكثير من المفرداتِ والعديدِ من الثقافات
وسأروي قِصصها لأَطفالي!
أنصحكَ باقتناءِ آلة كَ (كِتابي المدهش) تحلق عبرَها بعيدًا بعيدًا وأنت ترقد في فراشِك منذُ أول لحظة تُمسِكها بيدك...
اقرأ؛ فحياة واحدة لن تكفيك...
اعداد وكتابة: شيماء شقبوعة
التسميات: ثقافات, حول العالم, خواطر
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية